ثلاثة مواقف أثارت حماس الداعية الإسلامي الشيخ عائض بن عبدالله القرني، لتطبيقها وبثها كرسالة رحمة وسلام
 للمجتمع السعودي، الذي وصفه الشيخ القرني في
حواره مع mbc.net"" بـ "القاسي"، فالمواقف الثلاث طبقها فعلياً المصطفى - صلى الله عليه وسلم -، ولكن القرني أكد عدم استطاعته ذلك لخوفه من الناس ومن المتشددين الذين  قد يداهموا منزله ويذهبوا به في جنازة ثم إلى المقبرة -على حد تعبيره- فإلى المواقف الثلاث وللحوار الشامل مع القرني..

بداية دعنا نتحدث عن خفة دم الشيخ عائض القرني وحسه الدعابي في محاضراته الدعوية، ما سبب هذا الأسلوب الذي إتخذه؟

الطرفة هي جبلة لدي منذ الصغر، وأظن أن الذي يتكلف في حياته كثيراً فإن المزحة التي يقولها لن تخرج منه خفيفة أو لطيفة، ولذلك أنا لا أتكلف أثناء حديثي، ولكوني أديب وأقرأ في الشعر والأدب، فقد اكتسبت من قراءاتي في هذه المجالات شيئاً من الدعابة والنكتة.

شاهدنا لك مقاطع على قنوات فضائية مختلفة وأنت تضحك بشكل هستيري ولم تتمالك نفسك فيها، ما كان قصدك بمثل هذا الضحك؟

والله أنا لم أتعمد بأن أضحك بمثل هذه الطريقة، ولم تكن المسألة مرتبة أو مقصودة مع المعد أو المذيع، المقطعين الشهيرة المتادولة أحدها في قناة بداية والآخر في قناة إقرأ، حيث كانت القصة التي رويتها عن أناس كانوا مخمورين ويستمعون للأغاني بصوت مرتفع في عهد عمر بن الخطاب، فدخل عليهم عمر - رضي الله عنه - فنهاهم، ليقولوا له ، يا أمير المؤمنين تجسست علينا، ودخلت بلا إذن، والله سترنا وأنت لم تفعل، ثم رد عمر "أستغفر الله وأتوب إليه" ليخرج عمر بعد هذا الموقف من المنزل، بعد أن استمع للنصح من شخص سكران. وكانت القصة محل استغراب وضحك بيني وبين المذيع ولم نتمالك أنفسنا.

كيف تتوقع ردة فعل المشاهدين وهم يشاهدون مثل هذا الضحك من داعية معروف؟

الدعابة واللطافة تجذب الناس وتجعلهم يستمعون لكلمتك ويرتاحون إليك، كما قال تعالى: "ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك"، وكان - صلى الله عليه وسلم - يمزح مع أصحابه ويضحك. وأنا بهذا أريد أن أوصل رسالة وهي مفادها بأن مجتمعنا لديه قسوة، وبعض الناس أدخل غلظته بالدين، وهذا لا يصح، فالدين فيه الرحمة والسعة والبساطة والمحبة، كما أن ديننا دين السماحة واليسر، وهذا غير مطبق لدينا، والدليل أني مثلاً لو مزحت لفهمت بشكل خاطئ وقالوا ماذا يريد منا ألا تخاف الله وتتقيه؟ قلت في نفسي أنت ما استمريت بغلظتك وفضاضتك ما وصلت كلمتك لأهلك ولا لأصحابك. فمن خلال هذا الحوار أرغب بأن أوصل هذه الرسالة ومفادها "كونوا بسيطين أيها الدعاة وقريبين من الشباب ولا تنفرونهم من حولكم".


هل تعلمت هذه الدعابة من مشايخ آخرين أم أنك كنت صاحب السبق فيها؟

النكتة كما قلت سابقاً هي من طبيعتي، ولم أتعلمها من أحد، وكان الشيخ بن باز يضحك على نكتي، والشبخ العثيمين أيضاً الذي اهتز من الضحك في إحدى اللقاءات التي جمعتني به.
ثلاث مواقف جوهرية

قلت أن مجتمعنا فيه قسوة خصوصاً لدى الدعاة، كيف تستطيع أن تغير هذا المنطق الخطابي لديهم؟

سأخبرهم بثلاث مواقف.. الأول ماذا سيقول الناس عني لو كنت إمام مسجد في الرياض، وفي يوم العيد دعوت المقيمين سواء كانوا من أفريقيا أو غيرها من البلاد وأعطيتهم خناجر، وقلت لهم هذا المسجد لكم أدبكوا فيه واستمتعوا، فما الذي سيجري حينها وماذا سيقول الناس عني؟. أقول إن هذا حصل فعلاً في عهد الرسول - صلى الله عليه وسلم - ، حيث رقصوا الحبشيين ودبكوا في المسجد، إلى أن جاء - عمر رضي الله عنه - ليضربهم فنهاه الرسول، وقال له: "دعهم يا عمر لتعلم يهود إن في ديننا فسحة". أما الموقف الثاني فتخيل مثلاً لو أنك موظف في شركة أجنبية تعمل في الرياض وفي هذه الشركة عمالة يهودية، فقمت ودعوتهم على الغداء وأكرمتهم في منزلهم، فماذا سيقول الناس عني وقتها؟. وأقول لهم ما جاء في صحيح بخاري ومسلم، حيث أتى اليهود للرسول - صلى الله عليه وسلم - في منزله وقالوا له "السام عليكم" أي الموت لك، فقال لهم "وعليكم"، فقالت أم المؤمنين عائشة من وراء ستار، عليكم الموت واللعنة والسام، فقال لها الرسول "مهلاً يا عائشة فإن الله يحب الرفق في الأمر كله. فقلت : يا رسول الله ألم تسمع ما قالوا؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قد قلت وعليكم، إنا نجاب عليهم ولا يجابون علينا"، ما هذا ومع هذا قام الرسول وأطعمهم وهم في منزله.



والمشهد الثالث أرسلها للأزواج، فلو أني في السوق مع زوجتي وهي تتقضى وانتهت، وجئت لآخذ مقضاها وأحمله عنها، ثم فتحت لها باب السيارة لتركب ونحن أمام الناس، فماذا سيقول عني الناس حينها؟. وقبل أن يقولوا لي، أقول لهم إن الرسول عليه الصلاة والسلام كان في سفر وأتت عائشة لتركب فأجلس البعير، ووضع ركبته الشريفة على رجل البعير كي لا يقوم، ثم أجلسها وجمع ملابسها، ثم قاد الجمل وهو سيد ولد آدم - صلى الله عليه وسلم-. وكل هذه القصص واضحة فلا أعلم لماذا المجتمع لم يقرأها، ولم يفهمها، فهي مغيبة تماماً عن أذهان الكثيرين.

هل أنت على استعداد أن تقوم بهذه الأمور الثلاث أمام الناس كما ذكرت كي تكسر هذا الحاجز؟

بصراحة لا أستطيع، لأن الناس لن يدعوني أطبقها، بالله عليك هل أستطيع أن آتي بالأجانب وأدعهم يرقصوا في المسجد، الناس ستداهمني في منزلي وسأذهب بعدها في جنازة ثم إلى المقبرة. 
ملاحظات على الدعاة

ما تقييم الشيخ عائض لحال الدعاة في السعودية؟

بداية أشكرهم، فإن فيهم ناس خيرين ومتعلمين ووسطيين وهو هذا الغالب، لكن لي ثلاث ملاحظات الدعاة الآخرين، فإن بعضهم يفتي وهو ليس أهلاً للفتيا، حيث يفتون في مسائل لو عرضت على عمر بن الخطاب لما استطاع الإجابة عليها. فأنا أتعجب من بعض المطاوعة والوعاظ الصغار الذين يتصدرون مجالس الفتوى وهم ليسوا على مؤهل كافي لذلك. والملاحظة الثانية هي إغراق بعض الدعاة أنفسهم في السياسة، وتركهم للكتاب والسنة، فالسياسة مشئومة وتدنس طالب العلم، إلا أن الكثير من طلاب العلم خصصوا مواقع وصفحات لهم للحديث عن أحوال العالم العربي وتحليل ما يجري فيه، في الوقت الذي إحتار فيه زعماء وقادة العالم عن فهم مجريات الأمور لديهم.

أما الملاحظة الثالثة على أحوال الدعاة لدينا، تتعلق بالغلظة التي لديهم في الحديث والنصح ، حيث يشرعوا على السب وشتم الكبير قبل الصغير، وهذا غير لائق وغير مستساغ.

هل لا زال لدينا دعاة يعملون على غسل أدمغة الشباب من خلال المحاضرات والمخيمات الصيفية؟

إن أغلب محاضرات الدعاة في المملكة تقام على علم من الدولة ومن وزراء الشؤون الإسلامية والأوقاف، فلا أظن أن يخرج أحداً من على المنبر ليغسل عقول الشباب، فالذين يتصدرون المحاضرات حالياً أشخاص معتدلون، ولكن بعضهم كما ذكرت لا يزال فظ وغليظ في خطابه مع الشباب، كأنهم ضمنوا لأنفسهم الجنة.
حال الخطباء والأئمة مؤسف

كيف ترى حال الأجور التي يتقاضها الخطباء وأئمة المساجد في المملكة؟

في الواقع أرى أن حالهم مؤسف ووضعهم في خطأ كبير، وأقول للشيخ صالح آل الشيخ حفيد الإمام المجدد وزير الشؤون الإسلامية والأوقاف، يجب أن يكون الخطباء والأئمة والمؤذنين مفرغين للعمل في المساجد، فلا ينبغي أن يكونوا في عمل آخر يشتت عليهم عملهم الديني، كأن يكونوا موظفين رسيميين في المدارس والجامعات، ومتعاونين مع وزارة الشؤون الإسلامية، كما يجب أن تحسن رواتبهم وتكون مجزية لهم.

البعض يقول أين أنتم كدعاة من الزهد في المركب والملبس، أم أن هذه الدعوات في فقط توجه للشباب؟

الأمر واسع في الإسلام، ففي عهده - صلى الله عليه وسلم – لبس الغالي ولبس الرخيص، وكان من الصحابة من هو ثري، وهذا فهم خاطئ لدى الناس، بأنك إذا كنت داعية وشيخ فيجب أن تتقشف وأن تذهب إلى المسجد بدون حذاء، كي يقول الناس هذا الشيخ زاهد ومسكين، وهو أمر مماثل ينطبق على عامة الشعب. ولذلك فإن الله جميل يحب الجمال، وكان عثمان بن عفان وعبدالرحمن بن عوف من أغنياء الناس - رضي الله عنهم - وكان أبا ذر فقير والرسول قبلهم جميعاً، ومالك بن أنس كان لباساً ومتعطراً ولديه الكثير من الخير والنعمة، لذلك أن وصف الفقر والغنى هو وصف عرضي محايد لا علاقة له إلا بالتقوى. كما أن مسألة الزهد لا علاقة لها بتحريم الحلال وتحليل الحرام، إنما هو ترك مالا ينفع في الآخرة ويشغل عن طاعة الله عز وجل.

ننتقل معك إلى محور بعيد وهو عن هواياتك الشخصية في صغرك؟

عشت طفولتي في الجنوب، وكان والدي صارماً في الالتزام، والجو كان بسيطاً في قريتنا في محافظة "بلقرن"، والعجيب أن هواية كرة الطائرة كانت المفضلة لدي قبل كرة القدم، أما في المرحلة المتوسطة فتولعت بالقراءة والإطلاع على كتب الأدب بشكل منقطع النظير، وعند الكبر لا زال الكاتب هو رفيقي في حلي وترحالي، حيث سافرت لأكثر من 40 دولة للدعوة.


بما يتعلق بالسفر، هل تذكر قصة مضحكة أثناء سفرك للدعوة ؟

نعم.. كانت لي قصة مضحكة أثناء دعوتي في دولة الهند في ولاية كجرات، حيث اجتمع عشرات الآلاف في الساحة العامة، وقام خطيب هندي يرحب بي ومن معي من الدعاة السعوديين، ليقول: "زارنا اليوم أولماء (علماء) عزام (عظام) من بلاد الهرمين (الحرمين) .. شرذمة قليلون"، وهذه الكلمة هي كلمة سب قالها فرعون في موسى ومن معه، ولكن هذا الخطيب جاء بها من القرآن ويحسبها مدحاً، فقلت لزملائي "الله يخرجنا من هذا اليوم عليكم بالصبر والسكينة".   

0 التعليقات Blogger 0 Facebook

إرسال تعليق

 
كشكول إخباري © 2013. All Rights Reserved. Powered by Blogger
Top