لم يكن حديث على يونسي مستشار الرئيس الإيراني حسن روحاني، عن إمبراطورية فارسية عاصمتها بغداد، نوعا من التهديد أو ضربا من ضروب الشطح في الخيال ولكنه كشف حلما
قديما راود أبناء البلاد الفارسية، منذ سقوط دولة الأكاسرة التى كانت تتنازع حكم العالم القديم منذ أقدم العصور. 

ولايزال زوار معرض بانوراما الحرب في طهران، يطالعون خريطة عملاقة بحجم الحائط المعروضة عليه، تصور حدود الإمبراطورية الفارسية القديمة ومن بيينها مصر. 

وقد انتهت الإمبراطورية الفارسية من التاريخ فعليا بانتصار المسلمين على الجيش الفارسي في القادسية التى وقعت في 13 شعبان سنة 14 هجرية نوفمبر سنة 636م في عهد الخليفة الراشد الثاني عمر بن الخطاب "رضي الله عنه". 

ولكن موعد زوالها رسميا وللأبد كان بمقتل آخر أباطرتها فيما يرويه المؤرخون، سنة 651 ميلادية على يد مواطن فارسي يعمل طحانا، طمعا في تاج الإمبراطور ومجوهراته، ذلك بعد أن استضافة هذا الطحان ليزدجرد الثالث في رحلة هروبه منذ سقوط المدائن عاصمة الإمبراطورية التى تقع أطلالها الآن على مسافة قريبة من بغداد. وقد كان ملك يزدجرد من بدايته إلى نهايته، منذ سنة 632 أو 634 إلى سنة 652 ميلادية. 

لكن اللافت للانتباه والمثير للريبة في آن واحد هو أن الفرس أرخوا باستخدام تقويم جديد أسموه بـ"التاريخ اليزدجردي" الذي يبدأ في 16 يونيو عام 632 ميلادي ولا يزال وكما لا يزالون يحتفلون بعيد جلوسه على عرش فارس كل سنة. 

وليس ذلك لقوة شاهنشاه الفرس وآخر الأكاسرة المدعو يزدجرد بن شهريار بن برويز بن أنوشروان، فهو من أضعف ملوك الفرس وربما كان ضعفه مع الصراعات العنيفة بين أبناء الأسرة الساسانية الحاكمة، أحد أهم أسباب الإمبراطورية العظمى. 

ولكن لأن هذا الكسرى الكسير، قد صار رمزا للمجد الفارسي، حيث كانت فارس تتنازع المركز الأول بين أقوى قوتين عسكريتين وتجاريتين مع منافستها التقليدية "إمبراطورية الروم البيزنطية". 

فقد كانت إمبراطورية فارس التى أسسها الإمبراطور صاحب الشهرة التاريخية العريضة "قورش الكبير" في عام 559 قبل الميلاد ثم وطد أركانها قمبيز، فوصل بها إلى حدود الصين شرقا وإلى برقة شمال أفريقيا غربا، وضمت بلدان المسرح الرئيسي لأحداث التاريخ الإنساني ومهاد الحضارات الإنسانية العظمى في العراق والشام ومصر. 

وقد ارتكب قمبيز الكثير من الفظائع في مصر عند غزوه لها وليبيا في عام 525 قبل الميلاد وحكمها مدة 4 سنوات ولقب نفسه بالألقاب المصرية القديمة مثل ملك الشمال والجنوب وابن رع واتخذ لنفسه لقب "حورس موحد الأرضين" وكان أهم هدف من أهدافه هو غزو مصر لأنه كان يعتبرها امتدادا للإمبراطوريته الفارسية التي أقرها أبوه ولكنه ارتكب أعمالا جنونية فأحرق جثث بعض ملوكها الأقدمين مثل أحمس الثاني وأراد أن يدمر معالم حضارتها في مدنها الكبرى لاسيما طيبة "الأقصر" ليقسم بألا يترك أثرا عظيما إلا وحطمه فيها وترك ما تركه احتقار لشأن المباني بجانب ما دمره، ثم أرسل جيشا قوامه 50 ألف مقاتل ليتجه غربا لتهلكه العواصف الرملية ويغرق في بحر الرمال الأعظم فيما بين مصر وليبيا. 

ويضطر قمبيز إلى العودة لبلاده وترك مصر بعد تمرد كبير الكهنة عليه وهناك انتهى نهاية مأساوية غامضة. وقد كانت الحرب فيما بعد تتوالى بين الفرس والروم سجالا بينهما وعاود الفرس احتلال مصر مرة أخرى وعاود هرقل طردهم منها. 

وقد كانت الامتدادات الجغرافية الأخرى للإمبراطورية الفارسية أكبر من نظيرتها البيزنطية، بل كانت قوات الفرس تتوغل داخل الأراضي الخاضعة للروم البيزنطيين، أكثر مما تتوغل قوات الروم في أراضي الفرس. 

وقد كان سقوط الإمبراطورية الفارسية على يد العرب مسلمين مدويا ومازالت لغزا حير ولا يزال يحير المؤرخين ومفاجأة من مفاجآت التاريخ التى يندر تكرارها، حيث تلاحقت الهزائم الفارسية أمام انتصارات العرب المسلمين على أرض العراق حتى كانت القادسية التى لقي فيها قائدهم شبه الأسطورة "رستم" مصرعه على يد مقاتلي الجيش العربي الذي قاده الصحابي الجليل سعد بن أيى وقاص في القادسية. 

وانهار البنيان الإمبراطوري تحت سنابك الخيل العربية وكانت رحلة هروب يزجرد صاحب التقويم السابق الإشارة إليه، حيث شكلت رحلة الهروب مأساة درامية عندما كان يلقى ما يلقاه الملك الكسير على يد أمرائه وقد وردت تلك الأحداث في ملحمة "الشاهنامة الشهيرة التى تسر قصص ملوك وأباطرة فارس في أجواء تسيطر عليها الأجواء التراجيدية المغلفة بالأحداث التاريخية ولكن بنكهة أسطورية. 

وانتهت الإمبراطورية الفارسية الساسانية نهاية ناجزة بمقتل يزدجرد الثالث في عهد الخليفة الراشد الثالث عثمان بن عفان "رضي الله عنه". 

ورغم ذلك، فلقد ساهم الفرس بعد دخولهم الإسلام في بناء صرح الحضارة العربية الإسلامية، بل كانوا عيونها ورموزها في المجالات الكبري وكان لهم دورهم المؤثر في التراث العربي الإسلامي فمنهم الفقهاء والمتكلمين والفقهاء والمتصوفين والفلاسفة والعلماء في مجالات العلوم التقليدية للحضارة اللإسلامية. 

بل إن العلامة والفقيه اللغوى "سيبويه" الذي كان له دور رائد في علوم اللغة العربية، لم يحل انتماؤه الفارسي بأن يصبح من أعظم علمائها وواضعي قواعدهاكي يلعب هذا الدور العظيم في تاريخ الحضارة الإسلامية مثل كثيرين من أقرانه في شتى المجالات. 

وقد تجددت أحلام إعادة الإمبراطورية الفارسية على يد الشاه إسماعيل الصفوي الذي عمل على نشر مذهب الشيعة الإثنى عشرية في إيران وشكل غالب سكانها إلى اليوم. 

وكان إسماعيل الصفوي قد ولد ونشأ في سنة 1487 في ظل حال من الهزال السياسي الذي تسببن فيه الصراعات الدامية بين الإمارات الصغيرة في المنطقة التى كانت تعيش فترة صراعات بين أفراد أسرة "آق قويونلو" التي كانت تحكم الأراضي الإيرانية آنذاك، وهو ما استغله أنصار الصفويين، فأمروا عليهم إسماعيل الصفوي، وكان صغيرا لم يتجاوز الرابعة عشرة من عمره، لكنه كان مهيأ للقيادة والزعامة الذي استطاع من لم شمل المدن الإيرانية المتناثرة حتى استطاع إعلان تبريز معقل أسرة "آق قويونلو" وعاصمة ملكهم، كعاصمة لدولته وقاعدة لتوسعاته المستقبلية وصار ملكها بلا منازع سنة في سنة 907 هـ - 1502 ميلادية.

ورغم أن أصول الصفويين ليست بالفارسية وأثيرت شكوك في نسبهم (إلى الإمام موسى الكاظم (أحد الأئمة الإثنى عشرية) حيث أنهم ينتمون إلى أصول تركية، إلا أنهم شرعوا في تحقيق الحلم الفارسي القديم بعودة الإمبراطورية. 

وكان لنشر التشيع دوره الرئيسي في تقوية دعائم الدولة الصفوية، حيث استقدم الشاه إسماعيل الصفوي علماء المذهب الشيعي من جبل عامل بجنوب لبنان حيث بدأت العلاقات التاريخية بين هاتين المنطقتين منذ ذلك التاريخ ومازالت تلعب دورها بشكل يدعو للدهشه على طول الزمان وبعد المكان. 

وقد اصطدم إسماعيل الصفوي مع العثمانيين القوة الناشئة التى ورثت أملاك الإمبراطورية البيزنطية القديمة مثلما ورث هو جزءا كبيرا من أراضي الفرس، وكان النصر حليفا للسلطان العثماني الداهية سليم الأول الذي دحر الصفوي واستطاع دخول تبريز في 14 من شهر رجب 920 هـ - 5 من سبتمبر 1514م، حيث كاد يقضى على التجربة الصفوية قضاءً مبرما. 

وخلف إسماعيل، ولده طهماسب الذي تمكن من وسيع الأراضي الصفوية بضم العديد من الأراضي القوقازية بما فيها أرمينيا وجورجيا وقرقيزيا إلى اإمبراطوريته الصفويةواستطاع مراوغة العثمانيين ولم يصطدم معهم اصطداما مباشرا، بل قام بتسليم بايزيد الذي تمرد على أبيه السلطان سليمان العثماني ولجأ لطهماسب، إللى أبيه، حيث قام الفرسان الذين أرسلهم سليمان لاستعاته بقتل بايزيد وأولاده الأربعة، عقابا له على تمرده!. 

وبانتهاء الدولة الصفوية بانتهاء عهد عباس الثاني على يد السنة الأفغان سنة 1666 ميلادية، انهت أحلام الإمبراطورية الفارسية، لكنها ظلت تراود حكام إيران على تواليهم حتى عادت مع الثورة الخومينية عام 1979 بسقوط آخر شاه وقيام أول مرشد عمل على تصدير الثورة الإسلامية إلى أقطار الإسلام كافة، باسم المشروع الإسلامي أو ما أسماه وزير خارجية إيران الأسبق الداهية على أكبر ولاياتي بـ"الصحوة الإسلامية" التى انجرفت إلى المذهبية الشيعية وسط نذير بتلاطم مذهبي هائل تعمل اقوى العالمية على تهيئة الأجواء له حتى يتصارع المسلمون تحت أي واجهة تصلح لزعزعة اليمن ونشر الفوضى في بلاد الشرق الإسلامي.

0 التعليقات Blogger 0 Facebook

إرسال تعليق

 
كشكول إخباري © 2013. All Rights Reserved. Powered by Blogger
Top