عصافير تُحاكم بتهمة الثرثرة داخل الكنيسة، خنزير حكم عليه بالإعدام شنقاً بتهمة القتل المتعمد، وأخيراً عصابة من الفئران يسقط عنها الحكم .. وتحظى بالبراءة !
هذه الخرافات هى ممارسات حقيقية تدل على مدى الجهل والتخلف الذي كان تعيشه أوروبا في القرون الوسطى .. الأمر لم يقتصر على ذلك بل حتى الجمادات خضعت للمحاكمة وجثث الموتى أيضاً !محاكمة الحيوانات
الجهل كان سمة أساسية من سمات القرون الوسطى، والجنون أيضاً الذي يصل إلى محاكمة الحيوانات، حيث كانت عقوبة الحيوانات أمراً عادياً، وكانت تعاقب الحيوانات المذنبة بأحكام مثل البشر كالنفي والإعدام !
وكانت تعقد المحاكمات على مدار ثلاث جلسات، وإن لم يحضر المتهم (الحيوان المذنب) يتم اصدار الحكم غيابياً !
في عام 1494 وبالقرب من قرية كليرمونت في فرنسا، تم القبض على خنزير بتهمة التشويه والقتل المتعمد لأحد الأطفال بالقرية ، وعليه اقتيد الخنزير للمحكمة، وهناك تم الاستماع إلى الشهود الذين أقروا بإرتكاب الخنزير لهذه الجريمة البشعة !
حيث شهد أحدهم قائلاً: ” في صباح يوم عيد الفصح، تركت الأم رضيعها في مهده وذهبت لحضور القداس، وعندما عادت وجدت طفلها غارقاً في دماءه، فقد قام الخنزير بمهاجمة الطفل وأكل وجهه ورقبته ليغادر الحياة.”
وبعد الأخذ بالأدلة والإستماع إلى باقي الشهود الذين أكدوا إرتكاب الخنزير هذا الفعل، أطلق القاضي حكمه على الخنزير بالإعدام شنقا في ساحة عامة !
وفي محاكمة أخرى؛ تمت محاكمة “عصابة” من الفئران – كما تم تسميتهم من قبل المحكمة- في محكمة كنسية بتهمة إتلاف محصول الشعير بأراضي الفلاحين عن عمد !
وبالطبع لم يأتِ الجناة للمحكمة في اليوم المحدد، فأنكر القاضي تغيبهم عن الجلسة فقام المحامي الموكل بالدفاع عنهم بأنهم لم يحضروا للجلسة ربما لأن الاستدعاء لم يصلهم بعد، وفي الجلسة الثانية قدم اعتذار عن غيابهم، وكان السبب هذه المرة؛ أنهم في قرية بعيدة ولم يتمكنوا من المجيء، وفي الجلسة الثالثة والأخيرة طلب المحامي من القاضي أن يأمر سكان القرية جميعاً بأن يحبسوا قططهم بمنازلهم حتى يتمكن المتهمين من المثول أمام المحكمة لأنهم خائفين من أن يفتك بهم عدوهم اللدود وهم في طريقهم للمحكمة !
فرفض الأهالي الإلتزام بهذا الأمر، فتم الغاء القضية وانتصر المحامي الماكر الذي كان يسخر من هذه المحاكمات الجنونية بالتأكيد !
الجمادات أيضاً لم تسلم !
أما عن محاكمات الجماد؛ ففي اليونان اتهم تمثال بتهمة القتل المعتمد عندما سقط على رجل كان يستند عليه، وحكم القاضي بإلقاء التمثال في البحر عقوبة له على فعلته !
ومن الجمادات التي تم محاكمتها ايضاً الكرسي الرسولي اتهم بأنه ينضح بالفساد لأنه لم يأتِ بحاكم عادل قط!محاكمة الموتى !
من ضمن الممارسات الجنونية أيضاً محاكمة الموتى ومعاقبة جثثهم، كالبابا ستيفن السادس عند توليه العرش في 896 اتهم الذي سبقه بأنه جلب السمعة السيئة إلى الباباوية ، فتمت معاقبة جثته، حيث أمر القاضي بإحضار جثته ووضعها على عرش سان بطرس للمحاكمة، وتم تعيين شماس من الكنيسة للدفاع عنه، وبمجرد نطق الحكم بالإدانة، تم دفع الجثة من على العرش، وتنفيذ الحكم وهو تجريده من ملابسه وقطع أصابعه اليمنى ورمي جثته بالنهر !هل من تفسير ؟!
يشير العديد من المؤرخين إلى ان الدافع الحقيقي وراء هذه المحاكمات كان نفسياً بالدرجة الأولى، حيث كان يعيش الناس أوقاتاً عصيبة من الشك وعدم اليقين والتخوف من كل شيء، فقد كان الخوف عامل مشترك وصفة سائدة بين شعوب اوروبا في العصور الوسطى ، الخوف من انعدام القانون تحديداً، فكان خوفهم الأكبر هو غياب المحاكم التي أرسلها الإله لنشر العدالة على الأرض !
لذلك كانت العدالة واجبة على أي كائن، بشري كان أم غير ذلك، الهدف هو تحقيق العدالة بين البشر وبعضهم، والبشر والحيوانات، والبشر والجمادات أيضاً !!
لازالت هذه الخرافات تمارس حتى الآن !
في الواقع لم يزل هناك من يمارس هذه الخرافات في يومنا هذا، في ظل التطور والثورة العلمية التي نعيشها، هناك من ينادي بتطبيق العدالة على الحيوانات !
ففي ماليزيا قام بعض القرويين بضرب كلبا حتى الموت، لإعتقادهم بأنه شخصاً من عصابة من اللصوص قام بتحويل نفسه إلى “كلب” لتنفيذ جريمته !!
وقد ذكرت القصة في الصفحة الأولى من صحيفة فاينانشال تايمز في لندن تحت عنوان ” عندما يعض رجلاً كلب” !!
وفي القدس؛ حكمت محكمة دينية يهودية برجم كلب حتى الموت ، بحكم ان روح محامي كان قد اهان قضاة المحكمة قد تلبسته، وكان الكلب دخل مبنى المحكمة وظل داخلها لأسابيع كمأوي، ما إعتبره اليهود أن المحام عاد لينتقم ولكن في صورة كلب !
وبعدما هرب الكلب من المحكمة، طلب احد قضاة المحكمة الموجودة في حي يسكنه اليهود المتشددين، بمطالبة الأطفال برجم الكلب حتى الموت عند رؤيته، وقال حينها؛ ان هذه هى الطريقة المثلى لمعاقبة الروح التي تقمصت الكلب المسكين !
هذه الخرافات لم تقف عند هذا الحد، بل وصلت إلى الأخذ بشهادة الحيوانات ، حيث كان القانون في العديد من البلدان الأوروبية قديماً يبريء من يقتل داخل منزله لصاً بإعتباره نوع من الحماية والدفاع عن النفس ، ولكن خوفاً من يستدرج أحداً شخص ما بمنزله ويقتله بحجة انه اعتدى على بيته، كان القانون يشترط وجود شهود حتى لو كانوا من الحيوانات!
ما يعني أن يقوم صاحب المنزل بالقسم أمام كلبه بأنه بريء، وإذا كان كاذباً سينطق الكلب ويخبر القاضي بالحقيقة، ذلك لأن عدالة الإله لن تقبل بحدوث هذا .. لن تقبل بتبرئة القاتل، فيُنطق الكلب حتى ينال المجرم عقوبته !
Top
0 التعليقات Blogger 0 Facebook
إرسال تعليق